الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **
وأما الفقراء الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فهم صنفان مستحقو الصدقات ومستحقو الفيء أما المستحقون للصدقات فقد ذكرهم الله في قوله: " والمقصود بهما أهل الحاجة وهم الذين لا يجدون كفايتهم لا من مسألة ولا من كسب يقدرون عليه فمن كان كذلك من المسلمين استحق الأخذ من صدقات المسلمين المفروضة والموقوفة والمنذورة والموصى بها وبين الفقهاء نزاع في بعض فروع هذه المسائل معروفة عند أهل العلم. وضد هؤلاء الأغنياء الذين تحرم عليهم الصدقة ثم هم نوعان: نوع يجب عليه الزكاة: وإن كانت الزكاة تجب على كل من قد تباح له عند جمهور العلماء. ونوع لا تجب عليه: وكل منهما قد يكون له فضل عن نفقاته الواجبة وهم الذين قال الله فيهم: " ثم أرباب الفضول إن كانوا محسنين في فضول أموالهم فقد يكونون بعد دخول الجنة أرفع درجة من كثير من الفقراء الذين سبقوهم كما يقدم أغنياء الأنبياء والصديقين عن السابقين وغيرهم على الفقراء الذين دونهم ومن هنا قال الفقراء: ذهب أهل الدثور وبالأجور وقيل لما ساواهم الأغنياء في العبادات البدنية وامتازوا عنهم بالعبادات المالية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فهذا هو الفقير في عرف الكتاب والسنة. وقد يكون الفقراء سابقين وقد يكونون مقتصدين ويكونون ظالمي أنفسهم كالأغنياء وفي كلا الطائفتين المؤمن الصديق والمنافق الزنديق. وأما المستأخرون فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى كما هو الصوفي في عرفهم أيضاً ثم منهم من يرجح مسمى الصوفي لأنه عنده الذي قطع العلائق كلها ولم يتقيد في الظاهر بغير الأمور الواجبة وهذه منازعات لفظية اصطلاحية والتحقيق أن المراد المحمود بهذين الاسمين داخل في مسمى الصديق أو الولي والصالح ونحو ذلك من الأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة فمن حيث دخل في الأسماء النبوية يترتب عليه من الحكم ما جاءت به الرسالة. وأما ما تميز به مما يعده صاحبه فضلاً وليس بفضل أو مما يوالي عليه صاحبه غيره ونحو ذلك من الأمور التي يترتب عليها زيادة الدرجة في الدنيا فهي أمور مهدرة في الشريعة إلا إذا جعلت من المباحات من الأمور المستحبات وأما ما يقترن بذلك من الأمور المكروهة في دين الله من وأما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي يكون بمكة والأوتاد الأربعة والأقطاب السبعة والأبدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة فهذه الأسماء ليست موجودة في كتاب الله ولا هي أيضاً مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف محتمل إلا لفظ الأبدال فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال أربعين رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجل " ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذا الترتيب ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشايخ وقد قالها إما أثراً لها عن غيره أو ذكراً. وهذا الجنس ونحوه من العلم الذي قد التبس على أكثر المتأخرين حقه بباطله فصار فيه من الحق ما يوجب قبوله ومن الباطل ما يوجب رده وصار كثير من الناس فيه على طرفي نقيض قوم كذبوا به كله لما وجدوا فيه من الباطل وقوم صدقوا به كله لما وجدوا فيه من الحق وإنما الصواب التصديق بالحق والتكذيب بالباطل وهذا تحقيق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من ركوب هذه الأمة سنن من كان قبلها حذو القذة بالقذة فإن أهل الكتابين لبسوا الحق بالباطل وهذا هو التبديل والتحريف الذي وقع في دينهم ولهذا يعتبر الدين وهذا الدين لا ينسخ أبداً لكن يكون فيه من يدخل فيه من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفاً عن الرسل فينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون فبالكتب المنزلة من السماء والآثار من العلوم المأثورة عن الأنبياء يميز الله الحق من الباطل ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وبذلك يتبين أن هذه الأسماء على هذا العدد والترتيب والطبقات ليست حقاً في كل زمان بل يجب القطع بأن هذا على عمومه وإطلاقه باطل فإن المؤمنين يقلون تارة ويكثرون أخرى ويقل فيهم السابقون المقربون تارة ويكثرون أخرى وينتقلون في الأمكنة ليس من شرط أولياء أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل منهم في السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة وقد بعث الله ورسوله بالحق وآمن معه بمكة نفر قليل كانوا أقل من سبعة ثم أقل من أربعين ثم أقل من سبعين ثم أقل من ثلاثمائة فيعلم أنه لم يكن فيهم هذه الأعداد ومن الممتنع أن يكون منهم من كان في الكفار ثم هاجر هو وأصحابه إلى المدينة وكانت هي دار الهجرة والسنة والنصرة ومستقر النبوة وموضع خلافة النبوة وبها انعقدت بيعة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعثمان وعمر وعلي وإن كان علي قد خرج منها بعد أن بويع له فيها ومن الممتنع أنه قد كان بمكة في زمنهم من يكون أفضل منهم. ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين بل من الصديقين السابقين المقربين من لا يحصي عدده إلا رب العالمين لا يحصون بثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان أيضاً في القرون الخالية من أولياء الله المتقين بل من السابقين من جعل لهم عدداً محصوراً لازماً فهو من المتظلمين عمداً أو خطأ. وأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله تعالى فهو غياث المستغيثين لا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة بهم إلى الثلاثمائة والثلاثمائة إلى السبعين والسبعين إلى الأربعين والأربعين إلى السبعة والسبعة إلى الأربعة والأربعة إلى الغوث فهو كاذب ضال مشرك فقد كان المشركون كما أخبر الله عنهم بقوله: " وقال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لما رفعوا أصواتهم بالتلبية: " أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً قريباً إن الذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحته ". وهذا باب واسع وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم ولا ظاهراً ولا باطناً بهذه الوسائط والحجاب فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علواً كبيراً. وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إلا به ثم مع هذا يقولون أنه كان صبياً دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة ولا يعرف له عين ولا أثر ولا يدرك له حس ولا خبر. وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب فيهم معناها للرافضة من بعض الوجوه بل هذا الترتيب والاعتداد يشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم في السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذي ما أنزل الله به من سلطان وأما الأوتاد فقد يوجد في كلام بعضهم أنه يقول فلان من الأوتاد ومعنى ذلك أن الله يثبت به من الدين والإيمان في قلوب من يهديهم الله به كما يثبت الأرض بأوتادها وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة ومن كان دونه كان بحسبه وليس ذلك محصوراً في أربعة ولا أقل ولا أكثر بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة لقول المنجمين في أوتاد الأرض.
وأما القطب فيوجد في كلامهم أيضاً: فلان من الأقطاب وفلان قطب فكل من دار عليه أمر من أمور الدين والدنيا باطناً أو ظاهراً فهو قطب ذلك الأمر ومداره سواء كان الدائر عليه أمر داره أو قرية أو مدينة أمر دينها أو دنياها باطناً أو ظاهراً ولا اختصاص لهذا معنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر لكن الممدوح من ذلك من كان مداراً لصلاح الدين دون مجرد صلاح الدنيا وهذا هو القطب في عرفهم وقد يتفق في عصر آخر أن يتكافأ اثنان أو ثلاثة في الفضل عند الله ولا يجب أن يكون في كل زمان شخص واحد هو أفضل الخلق عند الله مطلقاً. وكذلك لفظ البدل جاء في كلام كثير منهم فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإن الإيمان كان بالحجاز واليمن قبل فتوح الشام وكانت الشام والعراق دار كفر ثم في خلافة علي قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام ومعلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين مع معاوية وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام هذا باطل قطعاً وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شيء قدراً. والكلام يجب أن يكون بالعلم وبالقسط فمن تكلم في الدين بغير علم دخل في قوله: " والذين تكلموا باسم البدل أفردوه بمعان منها أنهم أبدال ومنها أنهم كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلاً ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بالحسنات وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا أكثر ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض وبهذا التحريز يظهر المعنى باسم النجباء فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف مثل تفسير بعضهم بأن الغوث هو الذي يغيث الله به أهل الأرض من رزقهم ونصرهم فإن هذا نظير ما تقوله النصارى في الباب وهو معدوم العين والأثر وتشبيه بحال المنتظر الذي دخل السرداب من نحو أربعمائة وأربعين سنة وكذلك من فسر الأربعين الأبدال بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل بل النصر والرزق يحصل بأسباب من أوكدها دعاء المسلمين المؤمنين وصلاتهم وأخلاصهم ولا يتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقل ولا أكثر كما في الحديث المعروف أن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيسهم له مثل ما يسهم لضعفتهم فقال: " يا سعد وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم " وقد يكون للنصر والرزق أسباب أخر فإن الكفار أيضاً والفجار ينصرون ويرزقون وقد يجدب الله الأرض على المؤمنين ويخيفهم من عدوهم لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم فيجمع لهم بين غفران الذنوب وتفريج الكروب وقد يملي للكفار ويرسل السماء عليهم مدراراً ويمدهم بأموال وبنين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون إما ليأخذهم في الدنيا أخذ عزيز مقتدر وإما ليضعف عليهم العذاب في الآخرة فليس كل إنعام كرامة ولا كل امتحان عقوبة قال الله تعالى: "
وليس في أولياء الله المتقين بل ولا أنبياء الله ولا المرسلين من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس بل هذا من جنس قول القائل بأن علياً في السحاب وأن محمداً بن الحنفية في جبال رضوى وأن محمد بن الحسن في سرداب سامراء وإن الحاكم في جبل مصر وأن الأبدال رجال الغيب في جبل لبنان فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان نعم قد تخرق العادة في حق الشخص فيغيب تارة عن أبصار الناس إما لدفع عدو وإما لغير ذلك. وأما أنه يكون هكذا طول عمره فباطل نعم يكون نور قلبه وهدى فؤاده وما فيه من أسرار الله وأمانته وأنواره ومعرفته غيباً عن الناس ويكون صلاحه وولايته غيباً عن أكثر الناس فهذا هو الواقع وأسرار الحق بينه وبين أوليائه وأكثر الناس لا يعلمون.
وقد بينا عن بطلان اسم الغوث مطلقاً واندرج في ذلك غوث العرب والعجم ومكة والغوث السابع وكذلك لفظ خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء كابن حمويه وابن العربي وغيرهما وكل منهم يدعي إنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوجوه إلى غير ذلك من الكفر والبهتان وكل طمعاً في رياسة خاتم الأنبياء. وقد غلطوا فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للإدلالة الدالة على ذلك وليس كذلك للأولياء فإن أفضل هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وخير قرونها القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم وخاتم الأولياء في الحقيقة هو آخر مؤمن تقي يكون من الناس وليس ذلك بخير الأولياء ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر ثم عمر اللذان ما طلعت الشمس وما غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما.
وأما هؤلاء القلندرية المحلقين اللحى فمن أهل الضلالة والجهالة وأكثرهم كافرون بالله ورسوله لا يرون وجوب الصلاة والصيام ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق بل كثير منهم أكفر من اليهود والنصارى وهم ليسوا من أهل الملة ولا من أهل السنة وقد يكون فيهم من هو مسلم لكن مبتدع ضال أو فاسق فاجر ومن قال إن قلندر كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب وافترى بل قد قيل أصل هذا الصنف أنهم كانوا قوماً من نساك الفرس يدورون على ما فيه راحة قلوبهم بعد أداء الفرائض واجتناب المحرمات هكذا فسرهم الشيخ أبو حفص السهروردي في عوارفه ثم إنهم بعد ذلك تركوا الواجبات وفعلوا المحرمات بمنزلة الملامية الذين كانوا يخفون بحسناتهم ويظهرون ما لا يظن بصاحبه الصلاح من زي الأغنياء ولبس العمامة فهذا قريب وصاحبه مأجور على نيته ثم حدث قوم فدخلوا في أمور مكروهة في الشريعة ثم زاد الأمر ففعل قوم المحرمات من الفواحش والمنكرات وترك الفرائض والواجبات وزعموا أن ذلك دخول منهم في الملاميات ولقد صدقوا في استحقاقهم اللوم والذم والعقاب من الله في الدنيا والآخرة وتجب عقوبتهم جميعاً ومنعهم من هذا الشعار الملعون كما يجب ذلك في كل معين ببدعة أو فجور وليس ذلك مختصاً بهم بل كل من كان من المنكسة والمتفقهة والمتعبدة والمتفقرة والمتزهدة والمتكلمة والمتفلسفة ومن وافقهم من الملوك والأغنياء والكتاب والحساب والأطباء وأهل الديوان والعامة خارجاً عن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله باطناً وظاهراً مثل من يعتقد أن شيخه يرزقه وينصره أو يهديه أو يغيثه أو كان يعبد شيخه ويدعوه ويسجد له أو كان يفضله على النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلاً مطلقاً أو مقيداً في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى أو كان يرى أنه هو وشيخه مستغن عن متابعة الرسول فكل هؤلاء الكفار إن أظهروا ومنافقون إن أبطنوا وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذه الأزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى وكثير منهم لم يبلغهم ذلك. وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله فيه لمن لم يقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه كما في الحديث المعروف " يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا عمرة إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ويقولون أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله " فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله فقال: تنجيهم من النار تنجيهم من النار تنجيهم من النار. وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب أو السنة أو الإجماع يقال هي كفر قولاً يطلق كما دل على ذلك لدليل الشرعي فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ولا يجب أن يحكم كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنفى موانعه مثل من قال إن الخمر أو الربا حلال لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم لعلي أضل عن الله ونحو ذلك فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: "
وأما النذر للقبور أو لسكان القبور أو العاكفين على القبور سواء كانت قبور الأنبياء أو الصالحين فهو نذر حرام باطل يشبه النذر للأوثان سواء كان نذر زيت أو شمع أو غير ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله زوار القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " وقال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا وقال: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " وقال: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد من بعدي ". وقد اتفق أئمة الدين على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا أن تعلق عليها الستور ولا أن ينذر لها النذور ولا أن يوضع عندها الذهب والفضة بل حكم هذه الأموال أن تصرف في مصالح المسلمين إذا لم يكن لها مستحق معين ويجب هدم كل مسجد بني على قبر كائناً من كان الميت فإن ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان كما قال تعالى: " وقال طائفة من السلف: هذه أسماء قوم صالحين لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم عبدوهم ومن نذر لها نذراً لم يجز له الوفاء لما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " وعليه كفارة يمين ولما روي ومن العلماء من لا يوجب عليه الاستغفار والتوبة ومن الحسن أن يصرف ما نذره في نظير من المشروع مثل أن يصرف الدهن إلى تنوير المساجد والنفقة إلى صالحة فقراء المؤمنين وإن كانوا من أقارب الشيخ ونحو ذلك وهذا الحكم عام في قبر نفيسة ومن هو أكبر من نفيسة من الصحابة مثل قبر طلحة والزبير وغيرهما بالبصرة وقبر سلمان الفارسي وغيره بالعراق والمشاهد المنسوبة إلى علي رضي الله عنه والحسين وموسى وجعفر وقبر مثل معروف الكرخي وأحمد بن حنبل وغيرهم رضي الله عنهم. ومن اعتقد أن بالنذور لها نفعاً أو أجراً ما فهو ضال جاهل فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: " أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " وفي رواية: " إنما يلقي ابن آدم إلى القدر " فإذا كان هذا في نذر الطاعة فكيف في نذر المعصية فيعتقدون أنها باب الحوائج إلى الله وأنها تكشف الضر وتفتح الرزق وتحفظ مصر فهذا كافر مشرك يجب قتله وكذلك من اعتقد ذلك في غيرها كائناً من كان: " . . والقرآن من أوله إلى آخره وجميع الكتب والرسل إنما بعثوا بأن يعبد الله وحده لا شريك له وأن لا يجعلوا مع الله إلها آخر والإله من يألهه القلب عبادة واستعانة وإجلالاً وإكراماً وخوفاً ورجاءً كما هو حال المشركين في آلهتهم وإن اعتقد المشرك أن ما يألهه مخلوق مصنوع كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين الخزاعي: " يا حصين كم تعبد " قال: أعبد سبعة آلهة ستة في الأرض وواحد في السماء قال: " فمن ذا الذي تعبده لرغبتك ورهبتك " قال: الذي في السماء قال: " يا حصين فأسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بهن " فلما أسلم قال: " قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ".
|